الشيخ المرسومي كبار الشخصيات
عدد المساهمات : 161 نقاط : 26837 السٌّمعَة : 6
| موضوع: خطبة عن الشهرة الجمعة سبتمبر 24, 2010 6:50 am | |
| الشهـــــرة الحمد لله بنعمته أهتدى المهتدون ، و بعدله ضل الضالون ، أحمده سبحانه و أشكره حمد عبد نزه ربه عما يقول الظالمون ، و أتوب إليه وأستغفره ، سبحانه عما يصفون ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا يسئل عما يفعل و العباد يُسألون ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبد الله و رسوله الصادق المأمون، اللهم صل و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه ، و من هم بهديه مستمسكون .أمّــــــا بعــــــد : فأوصيكم ـ أيها الناسُ ـ و نفسي بتقوى الله سبحانه ، و عدَمِ الإغترار بهذه الدنيا ؛ فإنها حُلوةٌ خضِرةٌ غرَّارَة ، قلَّ من تعلَّق بها فَسَلِمَ ، و مَا مدَّ أحَدٌ عينَيه إلى مَتاعِها إلاَّ و أشرأبَّتْ نفسُهُ و قارَبَ الفِتنَةَ ، أو حام حولَ حِمَاها ، السعيدُ مَن جعلها مطيةً للآخِرة ، فصارَت له دارَ ممرٍّ لا داَر مقرّ ، وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه: 131].أيُّها الناسُ ، طَبعُ الإنسانِ الجهول أنّه ميَّالٌ إلى حبِّ المحمدَة و نيل الشهرة و إنتشار الصِّيت و السمعة ، و نفسُه توَّاقةٌ إلى أن يُشارَ إليه بِالبَنان ، أو أن يكونَ هو حديثَ المجالِس ، أو أن يُسمَع قولُهُ ، أو يُكتب قولُهُ . و الواقع أنَّ مَن هذه حالُهُ فإنّه لا يحبّ أن يكونَ على هامِش الاهتمام ،أو في مؤخِّرة الركب ، أو في دائرة الرِّضا بالدُّون . و مثل هذا الطبعِ يُعَدّ أمرًا جبلِّيًّا إلى حدٍّ ما ؛ لا يُعاب مطلقًا ، و لا يُحمَد مطلقًا ؛ لأنَّ الإطلاق في كلا الأمرين مُوقِعٌ في خللٍ غيرِ محمود ؛ إذ أن صاحبَه سيظلُّ مُتأرجِحًا بين إِفراطٍ و تَفريط ، و القاعدةُ المنصِفة تشير إلى أن خيرَ الأمور هو الوَسَط ، و أنّ كلا طرَفَي قصدِ الأمور ذميم . و مِن هذا المنطَلَق ـ عبادَ الله ـ جاءَتِ الشريعةُ الغرَّاءُ بالدَّعوةِ إلى كلِّ خيرٍ ، و إلى كلِّ ما يُوصِلُ إلى هذَا الخير ، و جاءَت بالنَّهي عن كلِّ شرٍّ ، و عن كلِّ ما يوصل إلى هذَا الشر ؛ فأصبَحَ الحلال بيِّنًا و الحرام بيِّنا ، غيرَ أنّ بينهما أمورًا مشتبهات ، فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام ؛ كالرّاعي يرعى حول الحمى يُوشِكُ أن يرتع فيه .و إنَّ مما حُذِّر منه في الشرع المطهَّر و جاء التحذير من مغبَّته هو حبّ الشهرةِ و الظهور ، الداعِي النفس المريضة إلى تعلُّق القلبِ بتأسيسِ بنيان السّمعةِ على شفا جرفٍ هار ، و قديماً قيل " حب الظهور قصم الظهور" إذ من خصائص الشهرةِ أنها تؤزُّ المرء إلى المغامَرة أزًّا ، و يُدَعَّى إلى تبريرِ كلِّ وسيلة مُوصِلة إليها دعًّا ، و هنا مكمَنُ الخطر و محلُّ الداء .حبُّ الشهرةِ – ياعباد الله - مظِنَّةُ الانحراف ، و طريق الشّذوذ عن الجماعَة ، و سُلَّمُ الإعجابِ بالنفس و الإعتداد بالرأي ، إضافةً إلى اقتفاءِ غرائبِ الأمورِ ، و عدمِ الأخذ بالنصح و الرجوع إلى الحق . الشهرة سربالُ الهوَى و غربال حبِّ المخالفة ، من اشتَهَر تعرَّض للفتنة ، و من تعرَّض للفتنة لم يسلم من عواقبها . حبُّ الشهرةِ مرضٌ عُضال يورِث الأنانيّةَ و حبَّ الذات و الإعجابَ الذي يقضي على معرفةِ عيوب النفس .نرى الشخصَ قد علا و حلّق في جوِّ الشهرة ، و جاز فيها مسارحَ النظَر ، ثم انحَدر بعد هذا و تدهوَر و عفا رسمُهُ ، فصار أثرًا بعد عين ، و خبرًا بعد ذات . و قد يُساقُ المرء فرحاً إلى الثناء و الشهرة و تخليد الذكر ، فإذا أخَذ مأخذَه لم يكَد يخطو خطوَةً حتى تتعثَّر أقدامه ، و يزل في مهاوي الردى ؛ لأنَّ طالبَ الشهرة أسيرٌ لخوفٍ لا ينقطع و إشفاقٍ لا يهدأ ، قلِقٌ مُتلفِّتٌ تُقيةَ صَيدِ صائد أو انتقاد متربص ، و ربما ماتَ في طلبِ الشّهرة و لم ينَل منها شيئًا يقرِّبه إلى الله جل و علا . قال ابن عبد البر : " الإعجابُ آفةُ الأحباب ، و من أُعجِب برأيه ضلَّ ، و من استغنى بعقلِه زلَّ " .معاشر الأحبة : إنَّ من أشدِّ العوائق عن كمالِ الانصياع للحق و لزوم الجماعة و البعد عمَّا حرّم الله حبَّ الشهرة و الصِّيت ؛ لأنّه متى لامَسَت الشهرة قلبَ المرء بزخرفها حجَبَتْه عن نورِ الجماعة و الثباتِ على الطريق المستقيم و الرجوع إلى الصواب عند الزلَل ، مهما كانت الشهواتُ المتاحة أمامه . و القارئون للتاريخ سيجِدون كمًّا كبيرًا من ضحايَا حبِّ الشهرة دوَّن التأريخ عِبرتهم ، و صاروا مثلاً لكل مُتَّعِظ . يقول ابن خلدون في مقدّمته المشهورة : " قلَّما صادَقَتِ الشهرة و الصّيت موضِعها في أحدٍ من الناسِ ، فكثيرٌ ممن اشتهَر بالشّرّ و هو بخلافه ، و كثيرٌ ممّن تجاوَزت عنه الشهرةُ و هو أحقُّ بها ،و قد تُصادِفُ موضِعَها و تكون طبقًا على صاحبها . و إنّ أثَرَ الناس في إشهارِ شَخصٍ ما يدخُلُه الذهولُ و التعصُّب و الوَهم و التشيُّع للمَشهور ، بل يدخله التصنُّع و التّقرُّب لأصحابِ الشهرة بالثناءِ و المدح و تحسين الأحوال و إشاعة الذكر بذلك . و النفوس مُولَعةٌ بحبّ الثناء ، و الناسُ متطاوِلون إلى الدنيا و أسبابها ، فتَختَلُّ الشهرة عن أسبابها الحقيقيّة ، فتكون غيرَ مطابقة للمشتهر بها " انتهى معنى كلامه . عبادَ الله ، إن خطورةَ طالبِ الشهرة و عاشقِها ليست من الأخطار القاصِرة على نفس المشتهِر فحسب ، بل إنها مِنَ المخاطر المتعدّيَة إلى غيره ، و الخطرُ المتعدِّي أولَى بالرّفع و الدّفع من الخَطَر القاصر ؛ لئلا يتضرَّر به الآخرون ؛ إذ أن عاشق الشهرة لو تُرِك له المجال فسيُفسِد في الآخرين مِن حيث يشعُر أو لا يشعر ؛ لأنّ شهرته حجَبَت عنِ الناس الفرزَ و التنقيَة في باب التلقِّي عنه ، و شهرتُه ستوجِد له أتباعًا و أَشياعًا من قبل الأغرار من الناس و دهماء المجتمعات . و قد أشار ابن قتيبةَ يرحمه الله إلى مثل هذا بقوله : " و الناسُ أسراب طيرٍ، يتبعُ بعضهم بعضًا ، و لو ظهَر لهم من يدَّعِي النبوةَ مع معرِفَتهم بأنّ رسول الله خاتم الأنبياء أو ظهر لهم يدَّعِي الربوبيّةَ لوَجَد على ذلك أتباعًا و أشياعًا " انتهى كلامُه .و مع هذا كلِّه – يا إخوة الإيمان - فإنَّ حبَّ الشهرة داءٌ مُنصِفٌ يفتِكُ بصحابِه قبل أن يفتِك بغَيره ؛ فما أحبَّ أحدٌ الشهرةَ و الرياسةَ إلا حَسَدَ و بغَى و تتبَّعَ عيوبَ الناس و كرِه أن يُذكَر أحدٌ بخير ، لا ينظُر إلا إلى رضا الناس ، و من تتبَّع رضا الناس فقد تتبَّع سراباً .و لنأخُذ الحكمة ممن جرَّبَها و خاضَ غِمارها رغمًا عنه ، فعرَفها و عرَف خطَرَها ،و حذَّر منها مع أنَّ شهرتَه كانت شهرةَ حقّ و ثبات على الدين . فها هو الإمامُ أحمد رحمه الله إمامُ أهل السنّة يقول : " مَن بُلِي بالشهرةِ لم يأمَن أن يفتِنوه ، إني لأُفكِّرُ في بدء أمري ؛طلبتُ الحديث و أنا ابن ستّ عشرة سنة " .ثم إن الشهرة ـ عباد الله ـ قد تكون بالشذوذ و المخالفة للحقِّ كما أسلَفنا ، و قد تكون أيضًا في قول الحقّ و إظهاره ، فمن قال الحقَّ ليشتهر به فهو مُراءٍ و واقعٌ في أتُّونِ الشرك الخفيِّ الذي حذَّر منه النبي . و الواجب على المرء أن يقولَ الحقَّ و لا يتراءى به ؛ لأنه ربما أعجَبَته نفسُه ، و أحبَّ الظهورَ فيُعاقَب ، فكم من رجلٍ نطَق بالحقّ و أمر بالمعروف فيُسلَّط عليه من يؤذيه لسوءِ قصدِه و حبِّه للشهرة و الرياسة الدينيّة ؛ و هذا داءٌ خفيٌّ سارٍ في النفوس .فإذَا كان هذا فيمَن قالَ الحقَّ لينالَ الشهرة ؛ و جمع محمدةً واحِدة وهي قولُ الحق ، و مذمَّةً واحدة و هي حب الشهرة ، فكيف إذَن بمن جمع مذمَّتَين : قول الباطل من أجل الشهرة ، عافانا الله و إياكم من الفتن .أيها المسلمون : إنّ طالبَ الشهرة و التصدُّر بالباطل تُرضيه الكلمة التي فيها تعظيمُه و إن كانت باطلاً ، و تُغضِبُه الكلِمة التي فيها ذمُّه و إن كانَت حقًّا ، و المؤمِن تُرضِيه كلِمة الحقّ له و عليه ، و تُغضِبه كلِمة الباطل له و عليه ؛ لأنّ الله يحبّ الحق و الصدق و العدل ، و يُبغِض الكذب و الظلم .و حسبُنا في ذلك وصيّة الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة و التسليم ، فقد قال صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم ( إذا رأيتَ شُحًّا مُطاعًا و هوًى متبعًا و إعجابَ كلّ ذي رأي برأيه فعليك بخاصّة نفسك ، و دَع عنك العوام )) رواه أبو داود و الترمذي . و يا لله ! ما أصدَقَ كَلام المصطفى إذ يقول : (( حقٌّ على الله أن لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه )) رواه البخاري .ألا فاتقوا الله عباد الله ، و ابتعدوا عن كل مايرديكم، وأخلصوا لله في أقوالكم و أعمالكم ، اعملوا لأخراكم ، والتمسوا رضا مولاكم ، و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر . بارك الله لي و لكم في القرآنِ و السنّة ، و نفعني و إياكم بما فيهما من الآياتِ و الذّكر و الحكمة ، | |
|
احمد كبار الشخصيات
عدد المساهمات : 5 نقاط : 25905 السٌّمعَة : 0
| موضوع: رد: خطبة عن الشهرة الجمعة سبتمبر 24, 2010 7:51 am | |
| بارك الله فيك وجعل هذه المقاله في ميزان حسناتك | |
|
الشيخ المرسومي كبار الشخصيات
عدد المساهمات : 161 نقاط : 26837 السٌّمعَة : 6
| موضوع: رد: خطبة عن الشهرة السبت سبتمبر 25, 2010 6:53 am | |
| - احمد كتب:
- بارك الله فيك وجعل هذه المقاله في ميزان حسناتك
وفيك بارك اخوي أحمد مرور طيب | |
|
فراس كبار الشخصيات
عدد المساهمات : 66 نقاط : 26633 السٌّمعَة : 0
| موضوع: رد: خطبة عن الشهرة الإثنين سبتمبر 27, 2010 4:48 pm | |
| | |
|
الشيخ المرسومي كبار الشخصيات
عدد المساهمات : 161 نقاط : 26837 السٌّمعَة : 6
| موضوع: رد: خطبة عن الشهرة الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 7:45 pm | |
| - ابن دخيل المرسومي كتب:
- جزاك الله خير
جزاكم ربي مرور طيب | |
|